هل يحق لنا نقد المشايخ و العلماء؟
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه والشرفاء .
وبـــــــــــعــــد ، فقد تأملت عدّة مشاركات لإخواننا الكرام الأعضاء اشتمل مضمونها على توجيه سهام النقد الشديد إلى بعض المشايخ والدعاة .
ثم تأملت الردود والتفاعلات ، فوجدتها تتردد بين مُنافح ومتحامل .
فالمنافح اعتراه حب (فلان) من الناس حبًا شديدا حمله ذلك على التعصب المقيت لهذا الشيخ أو الداعية ، وبلا ريب تختلف دوافع هذا الحب والتعصب من شخص إلى شخص آخر، فتارة تكون بسبب أنه من جماعته أو بلده أو عشيرته، وكل هذه الدوافع باطلة ؛ لأن الحب يجب أن يكون لله وحده، وكما قال أبو حامد الغزالي صاحب (الإحياء): (وهذه عادة ضعفاء العقول، يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق).
ثم ينبري يدافع بشراسة عن (فلان) بغض النظر عن صحة ما ينافح به !! المهم والهدف عنده المنافحة بأي شيء ولو بالسب والتسفيه ولعن الطرف الآخر، وأبسط حجة يلقيها في وجه منتقد شيخه قوله: (لحوم العلماء والدعاة مسمومة) فهي كلمة حق أريد بها الباطل، فلحوم العلماء والدعاة مسمومة من الطعن في العرض والسب والشتم والتشهير، ولكن ليس لحومهم مسمومة من النقد البناء والنصيحة الخالصة، فيجب التفريق بين هذا وذاك.
وفي المقابل ترى المتحامل ـ أصلحه الله ـ وجد لغمز ولمز (أحد المشايخ أو الدعاة) مستقرا له في قلبه بسبب كره سابق في قلبه لـ (فلان) ، فيعمل كما يقال : (من الحبة قبة) ، فالغاية عنده تبرر له وسيلة الطعن، والعجيب أنه يجد لذلك من المبررات الشرعية في نفسه كالدفاع عن الدين وإنكار المنكر. ونسى هذا الحبيب أن إنكار المنكر له ضوابطه الشرعية ، والنصيحة لها أسلوبها الأمثل.
فهل تعلم أنه لا يجوز في إنكار المنكر التجاوز في الإنكار حد المنكر، فلو رأيت من يشرب خمرا من زجاجة ، فليس لك في الإنكار باليد إلا كسر الزجاجة ، فإن ضربته ، فقد وقعت في مخالفة شرعية .
ثم تخيل معي أيها الحبيب لو اجتمع المنافح مع المتحامل في حوار أو نقاش كيف يكون حالهما حينئذ؟!!!.
بلا ريب سيكون (حوار طرشان) ـ إن لم تكن مجزرة من السب والشتم واللعان ـ بمعنى أن كل من المتحاورين سيعتريه (الطرش) الوصفي ، فهو لا يعبأ بما يقوله الآخر بقدر ما يعبأ بما يقوله هو ، وهذا أشبه ما يكون بمنطق دكتاتورية فرعون التي وصفها الله تعالى في كتابه : { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } (غافر:29) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وصاحب الهوى يُعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله. بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين). وقد نقل عن سلفنا الصالح قولهم: (احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه).
فأخرج من هذه المشاركة ويعتريني الحزن الشديد على حال الملتزمين (الصحوة التي نعقد عليها آمال الأمة المنكوبة) .
ومع تفشي هذه الظاهرة رأيت وجوب إسداء النصح لنفسي أولا ، ولأحبتي في الله ثانيا ، ويعلم الله أنني كنت أتمنى أن لا أكتب ذلك ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فأقول وبالله التوفيق:
أولا ـ كلمة من القـلب بين يديـك فأرجو قبـولها :
1 ـ يا أيها القارئ لهذه الكلمات لا تعجل في قراءتها ! فوالله لقد كتبت من أجلك من القلب وثق أن ما كان من القلب ذهب إلى القلب، فاصبر على تأملها لعلك تجدها في ميزان حسناتك يوم تلقى الله عز وجل.
2 ـ هذه الأسطر لا أقصد بها شخصا بعينه ، وإنما هي عامة لجميع الأحبة .
3 ـ من كتب هذه الأسطر كتبها بدافع الحب ، فاصطحب معك هذا المعنى أثناء القراءة وافتح لها قلبك ، وإن خالفت ما في نفسك فزنها بميزان عدلك الذي لا يعلم حقيقته إلا الله.
ثانيا ـ يجب التفريق بين (النقد) و(التجريح)، وبين (النصيحة) و(الفضيحة)، وبين (الصدع بالحق) و(التحامل):
وهذا يجب أن ينتهجه المسلم بشكل عام مع جميع من حوله . ولكن لكوننا نقصد بهذه الرسالة صنف من الناس وهم (العلماء والدعاة) وجب علينا أولا طرح هذا السؤال : هل يجوز لنا نقد أو نصيحة أو الإنكار على العلماء والدعاة؟! .
الجواب : نعم يجوز ذلك بلا ريب ، فالعالم أو الداعية بشر من البشر يخطئ ويصيب، يعصي ويطيع وكما قال صلى الله عليه وسلم : (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد بإسناد صحيح من حديث أنس .
وقال الإمام مالك : كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ونحن (أهل السنة والجماعة) ننكر أشد الإنكار على ما يعتقده المريد في شيخه الصوفي، فالشيخ الصوفي أول ما يلقن مريده من آداب هو (أن يكون بين يديه كما يكون الميت بين يد مغسله أي جسد بلا روح) ، وهكذا يدرب المريد حتى يؤول الأمر إلى منكرات عظيمة تصل لدرجة أن بعض الزنادقة من شيوخ الصوفية يغتصب زوجة المريد أمام المريد وهو لا يحرك ساكنا امتثالا لأمر الشيخ ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ .
فنحن لا نعتقد العصمة في أحد من الصحابة ، فكيف نعتقدها في العلماء والدعاة ؟!!.
ثالثا ـ وهنا يأتي السؤال الأهم : كيف يمكن أن يكون (النصح أو النقد أو الإنكار) على أهل العلم والدعاة؟!! وهل من ضوابط في ذلك؟!!
قلت : اعلم ـ وفقك الله للخير ـ أن هناك عدة أمور يجب أن يتحلى بها من تصدى لنقد أو نصح عالم قبل أن يقوم بذلك ، وهي :
1 ـ (ملاحظة "مؤشر الإخلاص" في قلبك اتجاه النصيحة) :
ويكون ذلك بوقوفك بنفسك على الدوافع الحقيقية التي حملتك على بذل هذه النصيحة، وهذه لن يقف على حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى ثم شخصك الكريم ؛ لأن ذلك محله القلب ، والقلب لا يطلع عليه إلا الله الذي { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } (غافر:19) .
وللكشف عن حقيقة دوافعك من النصيحة ومراقبة مؤشر الإخلاص في قلبك أجب على هذه الأسئلة أولا قبل إسداء النصيحة:
_________
س1 ـ هل أنت محب (لفلان) الذي تنصحه ؟!. فإن كنت تحبه فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س2 ـ هل تمنيت أن يكفيك غيرك بذل هذه النصيحة؟!!. فإن قلت : نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س3 ـ هل أحزنك صدور ذلك من (فلان) أم سررت بذلك ووجدتها فرصة لنصحه؟!. فإن قلت : نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س4 ـ هل كنت تتمنى أن تكون نصيحتك في السر بينك وبينه ، ولكنك لم تجد إلى ذلك سبيلا؟!!. فإن قلت : نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س5 ـ هل لو فعلها أحب الناس إليك كنت ستنصحه بنفس الكيفية والأسلوب ؟!. فإن قلت : نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فإليك هذه المذكرات الهامة :
1 ـ الإخلاص شرط لقبول العمل الصالح ، فإن فقده فهو طالح ؛ لحديث عمر مرفوعا: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى…) رواه الشيخان.
2 ـ صح من حديث أبي أمامة مرفوعا: (إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد جيد.
3 ـ هل تعلم أن علاج الإخلاص يكون بكسر حظوظ النفس ، وقطع الطمع عن الدنيا ، والتجرد للآخرة حتى يغلب ذلك على قلبك؟!.
4 ـ هل تعلم أنه قيل : (يا نفس اخلصي تتخلصي) أي اخلصي لله تتخلصي من العذاب؟!.
5 ـ هل تعلم أن (رب عمل صغير يعظمه النية !! ورب عمل كبير تصغره النية) ؟!!.
يا أيها الحبيب يا من تريد بذل نصيحة لأحد العلماء أو الدعاة وتريد بها الخير استصحب معك هذه المعاني وأنت مقدم على نصيحة عالم أو نقده:
أ ـ ذكر أحد العلماء عند الإمام أحمد وكان متكئا من علة فاستوى جالسا وقال: (لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ)!!!!!.
ب ـ قال الترمذي : (لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم) فكيف بعلماء زماننا ودعاتنا، وكيف بي أنا وأنت أيها الناصح الكريم ؟!!.
جـ ـ يجب على الجميع استيعاب حقيقة لا بد منها ، وهي وقوع الخلاف من عهد الصحابة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن الخلاف سنة الله في خلقه وأسبابه كثيرة.
د ـ الفتوى غير ملزمة لأحد إن ترجح لديه مخالفتها لدليل معلوم لديه ، ولكن عدم الطعن في صاحب الفتوى والتشنيع بشخصه ملزم للجميع.