الحياة الزوجية في قواعدها الأساسية
روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :
( لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي :
1- الموافقة : ليجلب بها أ) موافقتها . ب) محبتها . ج) وهواها .
2- حسن خلقه معها .
3- استعمال استمالة قلبها : أ) بالهيئة الحسنة في عينها . ب) توسعته عليها .[1]
هذه الرواية التي تشرح القواعد الأساسية في العلاقات الزوجية وما يلزم أن يقوم به الزوج .
في الواقع هذه الرواية تؤسس عدة قواعد متينة ورصينة لتعامل الزوج مع زوجته وتعاون الزوجة مع زوجها في بناء الحياة السعيدة والعيشة الرغيدة وهي من أهم الأمور في الثقافة الزوجية بعد الزواج .
الزوج
الرجل يتحمل المسؤولية الكبرى في بناء العائلة الصالحة والحياة الزوجية السعيدة وهذا يتطلب منه أن يعطي من نفسه الشيء الكثير والرواية المتقدمة تعرض بعض ما يلزم الزوج أن يقدمه لزوجته في هذا المجال .
1- الموافقة :
لا يمكن لكل من الزوجين أن تحصل لهما راحة وسعادة إلا إذا توافقا وانسجما فيما بينهما وحينئذ ينبغي للزوج أن يكون عنده مرونة ولين وسياسة في معاملة زوجته فيكون موافقاً لها بمعنى منسجماً معها وبذلك يتحقق ما يلي :
أ-موافقة الزوجة له وهذا أمر مهم جداً في حياتهما .
ب-محبتها : ومحبة الزوجة لزوجها يشكل أهم قاعدة تبتني عليها الحياة الزوجية السعيدة وهذا ما يسعى إليه كل رجل ويطلبه الزوج من زوجته .
ج-هواها : فإن هواها ورغباتها تكون منسجمة مع هواه ورغباته ويتمكنا من القضاء على 90% من المشاكل العائلية .
وقد أكدت الروايات المتعددة أنه ينبغي للرجل أن يكون عنده انسجام وموافقة وسياسة في التعامل مع زوجته والانفتاح معها بشكل لا يؤثر على شخصيته ولا يؤدي بها إلى الانحراف .
2-وحسن خلقه معها : إن حسن الخلق من الزوج والزوجة يحققوا لهما أهدافاً كثيرة هما بأمس الحاجة إليها وذلك :
أ)يجلب خير الدنيا والآخرة .
من بركات حسن الخلق أنه يحقق لصاحبه خير الدنيا والآخرة كما عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
( إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة ) [2] وقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
فمن القواعد الأساسية لكل من الزوجين حسن الخلق وأن يكون ذلك طبعاً فيهما لا تطبعاً وبالأخص عند الزوج .
ب)طول الأعمار : إن حسن الخلق يعمر الديار ويطيل الأعمار كما جاء في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام : ( البِرّ وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار ) [3] .
ج)عيشة هادئة : إن حسن الخلق يجعل الحياة الزوجية هادئة وهنيئة ولا تكون العيشة بين الزوجين سعيدة إذا لم يكن هناك حسن الخلق ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام : ( لا عيش أهنأ من حسن الخلق ) [4] .
فحسن الخلق هو أهنأ وأفضل عيش وهذا ما تطلبه الزوجة من زوجها فإنها سوف تعيش معه طيلة حياتها وحياته فإذا كان سيء الخلق فسوف تهجم عليهم الأمراض والهموم والأحزان فحسن الخلق من الزوج مطلب أساسي في الحياة الزوجية السعيدة .
د)طيب العُشْرة : إن حسن الخلق يحقق لكل من الزوجين عُشْرة طيبة لكل منهما طيلة حياتهما فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( من حسنت خليقته طابت عشرته ) [5] فصاحب الأخلاق الحسنة تكون العشرة معه طيبة .
التركيز على حسن الخلق
الإسلام ركز على حسن خلق الزوج في حال الخطوبة كعنصر أساسي لا يمكن التخلي عنه في الزوج ، فقد جاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة وفساد كبير ) [6] .
فإنا نرى في هذا الحديث التركيز على حسن الخلق في بداية الحديث بل قدمه على الدين لما له من الأهمية في حياة الزوجين ، وأن التدين بلا أخلاق لا يكفي .
هـ)نصف الدين : الأخلاق الحسنة نصف الدين كما عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( الخُلق الحسن نصف الدين ) [7] ومن لم يكن عنده أخلاق حسنة فقد ذهب نصف دينه ، ويخطأ الكثير من الناس الذين يجردون الدين أو المتدينين عن صفة الأخلاق الحسنة .
و)أكمل الإيمان : إن صاحب الخلق الحسن إذا كان مؤمناً يكون أكملهم إيماناً وأن المؤمنين يتفاضلون في إيمانهم بحسن أخلاقهم كما في الحديث الصحيح عن الإمام الباقر عليه السلام : ( إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً )[8] .
عذب نفسه
وفي مقابل ذلك سيء الخلق فإن الحياة تكون معه عيشة نكد وهو بذلك يعذب نفسه قبل أن يعذب غيره كما عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( من ساء خلقه عذب نفسه ) [9] فصاحب الخُلق السيء يعذب نفسه ويعذب غيره ولا يمكن أن يعيش عيشة سعيدة لا مع زوجته ولا مع غيرها .
3-استعمال استمالة قلبها :
استمالة الزوج قلب زوجته وتحريكه حسب ما يريد ويرغب - في حدود الأوامر الشرعية - هو قاعدة أساسية للحياة السعيدة ، فالحياة الزوجية بين الزوجين يلزم أن تكون قائمة على المحبة والمودة القلبية وأن يكون هناك صفاء وتواد روحي بينهما وحينئذ لابد للزوج أن يقوم بما يعزز هذه المحبة والمودة بينهما ويستعمل الأساليب التي تمتنها وفي البداية لابد من استمالة قلب زوجته بالشيء الذي ترغب فيه الزوجة وفي الحدود الشرعية والرواية ذكرت أمرين لاستمالة قلب الزوجة .
الأمر الأول
أن يخرج أمام زوجته بالهيئة الحسنة في عينها سواء كان في لباسه أو في مركوبه أو فيما يرجع إلى شخصيته أمام الآخرين ، وتختلف النساء بحسب أنظارهن وثقافاتهن وتوجهاتهن وتهيئة الزوج لزوجته من الأمور المطلوبة وكما أن الرجل يحب من زوجته اللباس الناصع والنظافة والجمال وتمشيط شعرها وأن تتزين له وتكون طيبة العطر ، فإن الزوجة أيضاً تحب من زوجها أن يكون نظيفاً متطيباً وقاصاً للشعر فإن تزين الزوج لزوجته مما يساعد على عفتها وطهارتها ولا تميل إلى غيره .
يقول الحسن بن الجهم : رأيت أبا الحسن ( الرضا ) عليه السلام اختضب . فقلت : جعلت فداك اختضبت ؟ فقال : نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة ، ثم قال : أيسرك أن ترها على ما تراك إذا كنت على غير تهيئة ؟ قلت : لا . قال : فهو ذاك .... ) [10] .
شخصية الزوج
من الأمور المهمة التي تساعد على الحياة الزوجية الطيبة هو وجود شخصية للزوج يتمتع بها سواء كانت ثقافية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية فإن شخصية الزوج وأهميته تساعد على حل مشاكله ومما يميل قلب الزوجة إليه ، والذي يبدو أن هذه الظاهرة موجودة عند بعض الحيوانات والطيور .
شخصية العصفور
روي أن سليمان عليه السلام سمع عصفوراً يقول لعصفورته : لِمَ تمنعيني نفسك ، ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر ؟ فتبسم سليمان من كلامه ، ثم دعا بهما . فقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال : لا يا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لا يلام على ما يقول .
فقال سليمان عليه السلام للعصفورة : لِمَ تمنعيه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت : يا نبي الله إنه ليس محباً ، ولكنه محب مدع ، لأنه يحب معي غيري .
فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاءاً شديداً ، ، واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته ، وأن لا يخالطها محبة غيره .[11]
الأمر الثاني
مما يوجب ميلان الزوجة إلى زوجها توسعة الزوج على زوجته فإن السخاء والكرم ممدوح والبخل مذموم على العكس في النساء فإن البخل ممدوح لهن والسخاء منهن مذموم لأن المرأة ينبغي لها أن تحافظ على مال زوجها .
وفيما يرجع إلى توسعة الزوج على عياله قد ورد التأكيد عليه في أكثر من رواية منها ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إن من خيار رجالكم التقي النقي السمح الكفين ، السليم الطرفين ، البر بوالديه ، ولا يلجئ عياله إلى غيره ) [12] .
فالتوسعة على العيال صفة حسنة في الزوج تسبب محبة الزوج إليه .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تحف العقول ص 323 وعنه في البحار ج 75 . ص 237 .
[2] البحار ج68 ص384 .
[3] الكافي ج2 ص100 كتاب الإيمان والكفر باب حسن الخلق ح8 .
[4] البحار ج68 ص389 عن علل الشرائع .
[5] غرر الحكم ح8153 وعيون الحكم والمواعظ ص443 .
[6] وسائل الشيعة كتاب النكاح باب 28 من مقدمات النكاح حديث 1 ، الجامع الصحيح للترمذي ح1085 .
[7] البحار ج68 ص385 .
[8] الكافي ج2 ص99 كتاب الإيمان والكفر باب حسن الخلق ح1 .
[9] عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي ص443 .
[10] الوسائل كتاب النكاح باب 141 من مقدمات النكاح .
[11] كشكول الأسرة ص7 .
[12] الوسائل كتاب النكاح باب 7 من مقدمات النكاح حديث 2 .