خلق الله تبارك و تعالى فى الانسان رغبة و ميلا و شهوة فى جسده تجاه الجنس الآخر و جعل هذه الرغبة فى الرجال و النساء سببا فى نماء الحياة و استمرارها.
هذه الرغبة فى ذاتها آية من الآيات ، أن يجد الانسان من داخله دفعة اللحم و الدم تدفعه بقوة لإشباع هذه الشهوة رغما عنه و لو كان رئيسا أو ملكا و لو كان حكيما أو وضيعا و لو كان كبيرا أو شابا و لو كان غنيا أو فقيرا.
و لأن الله تبارك و تعالى خالق هذه الرغبة و مودع هذه الفطرة فإن دينه و منهجه يتعامل مع هذه الشهوة بأفضل طريقة ممكنة ، فالاسلام يرضى بتكوين الانسان و فطرته و شهوته لا يستقذرها و يطالبه بالسمو عنها و التطهر منها و الرهبانية و فى نفس الوقت لا يرضى له أن يكون منساقا بلا ضابط لرغباته المكبوتة كما تفعل الحيوانات البهيمة.
الاسلام لا يصطدم مع فطرة الانسان و لا حتى يخاطبه بأن هذه الرغبة الكامنة داخله هى لاستمرار الحياة و دوام النسل فكأنه يؤدى بهذه الرغبة وظيفة مرسومة له ، بل يقبل له أن تكون هذه الرغبة متعة راقية ( بل و لعلها تكون أعلى الأحاسيس البشرية متعة على الاطلاق ) ، متعة مقصودة لذاتها أيضا و يغلفها بأدب و ذوق و يرفرف عليها بمعانى دينية جميلة و يجعله مأجورا مثابا عليها لو وضعها فى مكانها الصحيح فى منهج الاسلام.
و الانسان يحتاج أن يتعلم النواحى المختلفة لهذه الرغبة الانسانية ليس فقط من باب الثقافة الجنسية و لكن بنية أن تساعده هذه المعرفة على تفهم شريك حياته من حيث أن الإطار الوحيد الذى تقضى فيه هذه الرغبة هو الزواج.
و مما يحتاج الشباب أن يتعرف عليه أولا أن هناك اختلافا أصيلا فى تكوين الرجل و المرأة من حيث الرغبة الجنسية ، فالرجل تدفعه الرغبة من طريقين – طريق الوظيفة و الأداء و طريق العاطفة والحب ، و فى أغلب الأحوال تدفعه الوظيفة بشكل أشد من العاطفة حتى أنه ربما يطلب زوجته و هو غاضب منها أو على خصام معها و ذلك لأن الناحية الوظيفية أشد إلحاحا عليه من عاطفته و على الزوجة أن تتفهم هذا و تقدره. و تعرف أيضا أن الرجل عموما عنده الرغبة الجنسية أعلى بكثير من المرأة لأن الإثارة الجنسية عند الرجل و المرأة سببها هرمون الذكورة ( هرمون تيستوسترون ) و هو بطبيعة الحال يفرز بكميات كبيرة فى الرجل و بكميات أقل عند المرأة.
أما المرأة فالعلاقة بالنسبة لها عاطفية بحتة ، و لا يمكنها أن تكون شريكا مرضيا فى فراش زوجها إلا إذا كانت على حال جيدة مع زوجها ، و هناك فارق كبير أن تلبى رغبة زوجها لأنها مأمورة بذلك شرعا و بين أن تكون متفاعلة معه و مستمتعة به. و الرجل إذا تفهم هذه النقطة فسيصل بعلاقته الزوجية إلى سعادة كبيرة.
و الرجل هو الطرف الإيجابى فى هذه العلاقة الحميمة ، ليس فقط من ناحية أوضاع الجماع و طريقة الأداء و لكن أيضا بأن يكون البادئ بالمداعبة و الملاطفة و أن يكون مدركا وحريصا على إمتاع زوجته بنفس درجة حرصه على الاستمتاع بها. و حوار مفتوح حول هذا بين الزوجين ربما يفيد كثيرا.
و هذه المداعبة و الملاطفة التى سنها رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينبغى أبدا اغفالها ، و لنعرف أن للانسان مركزا للحساسية الجنسية فى المخ و أن هذا المركز تصله إشارات الاستثارة من النهايات العصبية فى المناطق الحساسة التى يتركز أكثرها حول المناطق التناسلية و لكنها أيضا تتوزع بدرجة أقل فى كل الجسم و خاصة فى اليدين و الشفاه و الوجه.
و هذه الإثارة لا تبدأ باللمس فقط و لكنها تنشأ أيضا بالحواس الأخرى كالبصر و السمع و الشم و التذوق و أقواها على الاطلاق البصر لأن مداه أبعد و لذلك أمرنا الله تعالى بغض البصر رجالا و نساء ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ... ) ، ( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن ... ) ، و تأمل الربط بين غض البصر و حفظ الفرج ، و الكلام كلام الخالق العليم الخبير.
كُلُّ الْحوَادِثِ مبْدَاهَا مِنْ النَّظَرِ
وَمُعْظمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
في أَعيُنِ الْعِيْنِ مَوْقوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا
فِعْلَ السِّهَامِ بِلا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ
يَسُرُّ مُقلتَه مَا ضَرّ مُهْجَتَهُ
لا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
و حاسة السمع كذلك تستثير و لذلك جاء الأمر للنساء فى قوله تعالى ( .. و لا تخضعن بالقول .. ) يعنى لا يتكلمن بالتكسر و الدلال و لا بالكلمات المشبوهة و لا بالموضوعات المثيرة.
ثم إن هذه المقدمة الضرورية من المداعبة و الملاطفة تؤدى دورها المهم فى تهيئة الزوجين للجماع بشكل صحيح ممتع ، حيث تؤدى إلى إفراز غاز سائل ( أكسيد النيتريك ) و الذى يعطى الانسان شعورا غامرا بالسعادة و النشوة و يؤدى بدوره لاندفاع الدم فى الأعضاء الجنسية و يجعلها مهيئة للجماع. و أحب أن أنبه أن هذه الفترة و هذه المقدمة يحتاجها الرجل لحوالى 5 دقائق لكن المرأة تحتاج لفترة أطول ربما تمتد لعشرين دقيقة ، و هذا طبعا كحد أدنى أما لو طالت فترة التقديم و المداعبة فهذا ألذ و أمتع بل تكون أحيانا أمتع من الجماع نفسه. و لذلك كان الأمر فى القرآن الكريم متوجها للرجال ( .. و قدموا لأنفسكم .. ) و هى لفتة دقيقة و كأنه ينبه الرجل أن يصبر على زوجته لأنها لا تستطيع أن تستجيب بنفس السرعة التى يستجيب هو بها. و الكلام – مرة أخرى – كلام الخالق العليم الخبير.
و فى الواقع ، الموضوع يحتاج لتفصيل أكبر و لكن قصدت هنا لفت أنظار الشباب إلى أهمية هذه المعرفة و بضرورة أن تظل حكرا على الإطار الشرعى الذى أراده الله تبارك و تعالى لها ، و أن هذه الرغبة سبقنا لها صفوة البشر من الرسل الكرام ( و لقد أرسلنا رسلا من قبلك و جعلنا لهم أزواجا و ذرية ... ) و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل لقضائها بالحلال أجرا ، حتى أن أصحابه تعجبوا و سألوه : ( أيأتى أحدنا شهوته و يكون له فيها أجر ؟؟ ) فأجابهم : ( أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال كان له أجر ) بل و أرتقى بهذه العلاقة الزوجية الحميمة حتى يذكر الله تعالى قبل كل لقاء زوجى ( اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتنا ).
(زلزال الموت)