أحد أهم خصائص المساجد في الولايات المتحدة هو عودتها إلى دورها التاريخي كنواة يتجمع ويتشكل حولها المجتمع المسلم، إذ تعلب دورا كبيرا وبالغ الأهمية في حياة المسلمين والعرب في أمريكا، ويمكن رصد هذا الدور – في الخبرة الإسلامية الأمريكية - على مستويات عديدة، نذكر منها ما يلي: أولا: المساجد تشكل مراكز تجمع المسلمين والعرب في الولايات المتحدة إذ أشارت دراسة أعدها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في عام 2000 عن المساجد في أمريكا إلى أنه في المتوسط يعيش حوالي 60 % من المسلمين المترددين على مسجد معين على بعد 15 دقيقة فقط من هذا المسجد، إذ يفضل هؤلاء المسلمين العيش قريبا من المسجد لما يلعبه من أدوار عديدة في حياتهم، مع العلم أن الولايات المتحدة بلد مترامي الأطراف يعتاد أهله السفر والقيادة لساعات طويلة على الطرقات للوصول إلى أماكنهم المفضلة. ولذا يلاحظ أن المناطق المحيطة بالمساجد في أمريكا تعد مناطق اجتذاب سكاني ترتفع فيها أسعار المساكن أحيانا، إذ يدرك أصحاب المساكن – مع مرور الوقت – الميزة التي تتمتع بها مساكنهم بسبب قربها من المساجد وإقبال المسلمين عليها، فيستفيدون من ذلك من خلال رفع أسعار منازلهم في ظل العرض المتزايد والمستمر عليها. وفي بعض الأماكن يلاحظ أن المساجد ساهمت في تعمير مناطق سكنية كاملة، إذ تلجأ بعض التجمعات المسلمة الأمريكية عند بنائها أو شرائها مسجدا إلى شراء أو بناء مجموعات سكنية عديدة محيطة به، وتشجيع المسلمين على شغل هذه المجموعات السكنية ليكونوا معا تجمعا سكنيا مسلما، وتساهم هذه الحركة السكانية الطبيعية في تعمير بعض الأماكن وجعلها أماكن جذب سكانية واقتصادية. ثانيا: لا يقتصر دور المساجد في أمريكا على كونها أماكن عبادة، بل تلعب أدوار تعليمية واجتماعية وسياسية مختلفة ومتزايدة في حياة المسلمين في أمريكا نذكر منها ما يلي: - إنشاء المدارس الإسلامية والتي تنتشر في حوالي 21 % من المساجد الأمريكية، والتي ترتبط بشكل كبير بالمساجد الكبرى (التي يتردد عليها 500 فرد أو أكثر). - الاتصال بوسائل الإعلام الأمريكية والسياسيين الأمريكيين لتوضيح مواقف الإسلام والمسلمين ومصالحهم تجاه القضايا الهامة، وتنتشر هذه الأنشطة في حوالي 61 – 71 % من المساجد في أمريكا. - زيارة مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية لتعريف وتوعية أعضائها بالإسلام، والمشاركة في برامج حوارية بين الأديان المختلفة، وتنتشر هذه الأنشطة في حوالي 66-71 % من المساجد في أمريكا. هذا إضافة إلى دور المساجد في نشر الدين الإسلامي، إذ أشارت 92 % من المساجد المشاركة في الدراسة التي أعدها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) إلى أنها تؤكد في تعاليمها على أهمية نشر الدين الإسلامي ودعوة غير المسلمين. - تقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة، مثل المساعدات المالية، وإطعام الفقراء، والاستشارات والمساعدات الاجتماعية، والتي تنتشر في حوالي 55-84 % من المساجد. هذا إضافة إلى أنشطة تعليمية واجتماعية أخرى مثل فصول دراسة الإسلام (تعقد بشكل منتظم في 68 % من المساجد)، ودروس اللغة العربية (57 % من المساجد)، ودروس خاصة للنساء المسلمات (54 % من المساجد)، وأنشطة خاصة بالشباب المسلم (41 % من المساجد). ثالثا: تلعب المساجد دورا بالغ الأهمية في بناء القيادات المسلمة الأمريكية الشابة، وتوعيتها بقضايا المسلمين والعرب في أمريكا وخارجها، وفي إمداد المنظمات المسلمة الأمريكية المختلفة بالقواعد والمساندة الجماهيرية اللازمة لنجاح عملها وتتميز المساجد بكونها مصادر طبيعية - لا تنضب - لعناصر قوة المجتمع المسلم في الولايات المتحدة، وبكونها أيضا مراكز طبيعية لتوعية المسلمين في أمريكا بقضاياهم، وتتميز أيضا بترابط المترددين عليها ووحدتهم حول قضايا الأمة الهامة واستعدادهم للتفاعل معها. وفي النهاية نحب نشير إلى أن قيام المساجد بالأدوار والوظائف السابقة لا يعد ابتكارا جديدا ليس له أساس في تاريخ الإسلام وحضارته، وإنما هو عودة طبيعية إلى دور المسجد الطبيعي في حياة الجماعة المسلمة، عودة فرضتها ظروف المسلمين في أمريكا كمجتمع مهاجر أعاد اكتشاف نفسه وهويته ومؤسساته وحياته في المحيط الأمريكي الذي يتميز بقدر كبير جدا من الحرية، تلك الحرية التي ساعدت المساجد في أمريكا إلى العودة إلى دورها التاريخي بشكل تلقائي وطبيعي وسلس. وأخيرا كل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان المبارك وهو موسم كبير وعظيم تزدهر فيه المساجد - في أمريكا وخارجها - بالمرتادين وبالصلوات والأدعية على مدى شهر كامل مبارك