يتعجب المدعو "زكريا بطرس" كيف يصلي الله على نبيه. يقول سألنا كثيرا عن الصلاة على النبي ولم نجد من يجيب. ويتابع قائلا : في سدرة المنتهى قال جبريل للرسول انتظر هنا الله يصلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يقول الله ؟ قال يقول سبوح . . سبوح وينحني بجبهته قليلا وكأنّ الله يسجد أو يركع [6].
قلنا : لم تسمع لأنّك لا تريد أن تسمع، ولو قرأت ما كتب المفسرون في الآيات التي فيها ذكر صلاة الله على نبيه لعلمت ما هي صلاة الله على نبيه، وكيف لم يقرأ وهو يذكر أنّه يرجع إلى كتب التفسير في كل شيء ؟!
وبيانا لمن يقرأ أقول :
ورد صلاة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى عباده المؤمنين في سورة الأحزاب في قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب: 56]، وفي قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب : 43] ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ وملائكته يصلون على النبي، والله سبحانه وتعالى وملائكته يصلون على عباد الله المؤمنين.
ومعنى صلاة الله على عباده المؤمنين رحمتهم، ومعنى صلاة الملائكة على عباد الله الدعاء لهم، وهذا واضح من تمام الآية التي أتت كتعليل لصلاة الله عليهم {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} يقول الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ : " أي: من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل. فهذه أعظم نعمة، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر اللّه، الذي لطف بهم ورحمهم. وجعل حملة عرشه، أفضل الملائكة، ومن حوله، يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا " أ .هـ.
ويقول ابن كثير : " والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة حكاه البخاري [7] وقال غيره الصلاة من الله عز وجل الرحمة ... وأمّا الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للنّاس والاستغفار كقوله تبارك وتعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش وَمَنْ حَوْله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَك وَقِهمْ عَذَاب الْجَحِيم (7) رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم ( وَقِهمْ السَّيِّئَات..} [غافر:7-8-9] ". قلتُ : ونحن نصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وصلاتنا عليه دعاء، نصلي نرجو من الله الثواب لنا كما وعدنا.
وقلتُ : الشريعة الإسلامية لها خصوصية في استعمال الألفاظ اللغوية، فهي وإن كانت تستعمل اللفظ اللغوي إلّا أنّها لا تستعمله بذات المعنى الموضوع له في اللغة على الدوام بل تخصصه غالبا، وتستعمله كما هو أحيانا، وأحيانا تضيف عليه أو تنقص منه. ولفظ الصلاة عند إطلاقه ينصرف للصلاة المخصوصة التي هي أقوال وأفعال مخصوصة في أوقات مخصوصة بهيئة مخصوصة. وعند التقيد يحدد السياقُ المعنى فصلاتنا لله غير صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم غير صلاة الله علينا غير صلاة الملائكة علينا.
والمقصود أنّ زكريا بطرس يتعمد الكذب ليلبس على النّاس ويكذب عليهم فمعنى صلاة الله موجود في كتب التفسير .. كل كتب التفسير، وكتب الحديث الصحية .. كل كتب الحديث الصحيحة ثم هو يدعي أنّه سأل وبحث ولم يجد من يجيب . ألا لعنة الله على الكاذبين.